قصص

نشر في : 17-12-2024

تاريخ التعديل : 2024-12-18 01:00:48

فريق نداء الأرض

قبل 50 سنة، أطلق الشغوف بركوب الدراجات الهوائية خايمي أورتيز مارينو، "سيكلوفيا"، وهو يوم خال من السيارات في العاصمة الكولومبية، إذ حقق نجاحا شعبيا كبيرا وشكل ثقافة مناهضة للسيارات ألهمت العالم برمّته.

في 15 ديسمبر/كانون الأول 1974، حصل هذا المهندس المعماري، مدعوما من 5 آلاف شخص، على إذن لإغلاق قسم من وسط العاصمة أمام السيارات وتخصيص الشوارع للدراجات والمشاة.

وسرعان ما أصبح هذا الحدث الأول من نوعه في العالم تقليدا شعبيا يُنظّم أيام الأحد. وبات "سيكلوفيا" يُقام حاليا في معظم أنحاء المدينة وفي نحو 200 مدينة في دول العالم، بحسب البلدية.

ويقول أورتيز (78 عاما) لوكالة فرانس برس، "إنّه أكبر صفّ مدرسي خارجي في العالم".

كل يوم أحد، يستخدم نحو 1.7 مليون شخص من سكان بوغوتا الدراجة الهوائية أو المزلجة المُعَجَّلَة (رولرز) أو يقومون بأي نشاط جسدي آخر على طول 127 كيلومترا من الشوارع الخالية من السيارات، بحسب الأرقام الرسمية.

تُعد هذه النزهات ذات الأجواء العائلية أيام الأحد، بمثابة فترة راحة لسكان إحدى أكبر مدن أمريكا اللاتينية.

يقول كاميلو راميريز الذي يركض برفقة زوجته فيما يستقل ولداهما البالغان 5 و12 عاما الدراجة الهوائية: "إن سيكلوفيا جزء من روحية بوغوتا".

ومن مكسيكو سيتي إلى سانتياغو مرورا بساو باولو، نظّمت مدن كثيرة في أمريكا اللاتينية برامج أسبوعية مماثلة لشوارع خالية من السيارات، على مدى العقدين الماضيين.

في بوغوتا، على ارتفاع 2600 متر، تختفي سحب التلوث الرمادية كل يوم أحد تقريبا. وبحسب أرقام رسمية حصلت عليها وكالة فرانس برس، أسهم "سيكلوفيا" في خفض ما يعادل 444 طنا من ثاني أكسيد الكربون.

والأشخاص الأكثر حماسة يركضون من الشمال، في الأحياء الأكثر ثراء، متجهين إلى الجنوب الأكثر فقرا، أو العكس. وفي بلد يتسم بعدم مساواة على مستويات كثيرة ويواجه سكانه الفقر، تعد "سيكلوفيا" أيضا بمثابة وسيلة للاختلاط الاجتماعي.

يقول جون لوزانو (89 سنة) الذي يغادر منزله صباح كل يوم أحد على دراجته المخصصة للسباق للقاء أصدقائه على طول الطريق "إنّ هذا النشاط هو ما يبقيني على قيد الحياة".

ويصف أورتيز "سيكلوفيا" بأنها "صمام العادم" لرابع أكبر مدينة في أمريكا اللاتينية، التي زاد عدد سكانها 10 مرات خلال السنوات الخمسين الماضية، إذ ارتفع من 800 ألف إلى 8 ملايين نسمة.

من بين المدن الكبرى في المنطقة، بوغوتا الوحيدة التي لا تزال من دون مترو، إذ بدأ مشروع إقامته منذ فترة قصيرة، بعد عقود من الدراسات والمشروعات المحبطة وفضائح فساد أخرى.

صنّف مؤشر "تومتوم أوربن ترافيك إندكس" بوغوتا بصفتها ثاني أكثر المدن ازدحاما في العالم سنة 2023، بعد مانيلا.

تبدو ثالث أعلى عاصمة في العالم، بعد لاباز وكيتو، مكانا غير مُشجّع لإطلاق ثورة ركوب الدراجات الهوائية.

لكنّ شغف الكولومبيين بركوب هذه الدراجات يعود إلى أجيال مضت، غذّته إنجازات أساطير مثل لويس "لوتشو" هيريرا، الفائز بسباق فويلتا في إسبانيا عام 1987، وإيغان بيرنال، أول أمريكي لاتيني يفوز بسباق فرنسا للدراجات عام 2019.

في كولومبيا، غالبا ما يستخدم المزارعون والعمال الدراجات الهوائية للذهاب إلى العمل.

ويقول أورتيز: "قبل سيكلوفيا، كنا نعلم أنّ هناك دراجة هوائية في معظم المنازل"، لكن لم يكن هناك مكان متاح لركوبها.

ويشير مارينو إلى أنّ بوغوتا كانت سنة 1974، مدينة "مصممة للسيارات، ولكن لم تكن لدى الناس سيارات".

أصبحت الدراجات الهوائية شعارا للتحرر "تتيح لكل شخص التحرك بطريقة في متناول الجميع"، على ما يوضح عالم النفس والمتخصص في التخطيط المُدني كارلوس إيفي باردو.

بالإضافة إلى إسهامها في الرياضة البدنية والحفاظ على البيئة، تشكل "سيكلوفيا" فرصة وظيفية لكثيرين في بلد 55% من عمّاله غير نظاميين.

يقدم بائعو السَلَطات وعصائر الفاكهة منتجاتهم أيام الأحد للمشاة الباحثين عن مأكولات ومشروبات مرطبة. ويقول إلاديو غوستافو أتيس، وهو ميكانيكي يبلغ 56 عاما ويعمل على تصليح الثقوب ونفخ إطارات الدراجات كل يوم أحد منذ 32 عاما، إنه كسب المبلغ الذي كان يحتاج إليه لتعليم ابنته وتسديد مصاريف منزله.